[color=black]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله على كل حال.
زعمت الرافضة أنه لم يكن قرن من القرون خلا، ولا أمة من الأمم الأولى، إلا وفيها وصي نبي، أو وصي وصي، حجة لله قائمة عليهم، وعالم بأحكامه فيهم، مفروضة عليهم طاعته ومعرفته، ليس لأحد ممن معه في دهره حالهولا صفته، لا يهتدي إلى الله أبدا مَن ضلَّه، ولا يعرف اللهَ سبحانه أبدا مَن جَهله .
فيُسألون ـ ولا قوة إلا بالله ـ عن فترات الرسل في الأيام الماضية، وما لم يزل فيها لا ينكره منكر ولا يجهله من الأمم الخالية، هل خلت منها كلها فترة ؟ وأمة منهم مستقلة أم مستكثرة ! ؟ من أن يكون فيها إمام هادٍ ؟ حجة لله على من معه من العباد، يعلم من حلال الله وحرامه، وجميع ما حكم الله به في العباد من أحكامه، ما يعلم مَن تقدَمه وكان قبله، من كل ما حكم الله به ونزله ؟
فإن قالوا: لا تخلو فترة من الفترات مضت، ولا أمة من الأمم كلها التي خلت، من أن يكون فيها إمام هاد على العباد لله حجة، ليس بأحد معه إلى غيره من الخلق كلهم حاجة مُحوِجة، في احتجاج بحق ولا تبيين، ولا في حكم من أحكام الدين، من نذارةٍ لِغيٍّ ولا ردى، ولا تبصرة لرشد ولا هدى، كما قالت الرافضة فلا حاجة إذاً بعد آدم، بأمة من الأمم، إلى أن يبعث الله فيهم نبيا، ولا يجدد لهم لرشده وحيا، يُعلِّمهم في دين الله علما، ولا يحكم عليهم لله حكما، ومن كان من ذلك وفيه، ففضل لا فاقة بأحد إليه، لأنه لا يُبعث نبي في فترة، ولا أمة مستقلة ولا مستكثرة، إلا ووصيها فيها، كافٍ في الحجة عليها، مستغنىً به عن التبصرة والتعريف، وما حمَّلها الله من فرض أو تكليف، تامة به النعمة في الهدى من الله عليهم، لعلمه بجميع أحكام الله سبحانه فيهم، وفيما قالوا به من هذا القول، الغِنَى عن كل نبي أو رسول، جاء عن الله بنذارة لجاهل من عباده أو تعليم، أو هداية لضآل من خلقه أو تقويم .
وفي هذا من إكذاب كتاب الله ووحيه، وخلاف خبره تبارك وتعالى على لسان نبيه، ما لا خفاء به ولا فيه عن موحِّد ولا ملحد، ولا خصم لَدَّ أو لم يلِدّ، والله تبارك وتعالى يقول في إكذاب من قال بهذا القول عليه في كتابه، بما لا يأباه مكابر مرتاب وإن عظمت بليته في ارتيابه، قال الله سبحانه :﴿ولقد أرسلنا قبلك في شيع الأولين﴾ [الحجر: 10] . وقال سبحانه :﴿ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت﴾ [النمل: 36]. وقال سبحانه :﴿وإن من أمة إلا خلا فيها نذير، وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر والكتاب المنير﴾ [فاطر: 24- 25]. وقال سبحانه :﴿وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك وإلى الله ترجع الأمور﴾ [فاطر: 4]، مع ما ذكر لا شريك له مما يكثر، عن أن نحصيه من تبعيثه في الماضين للرسل والنذر، وما لم يزل يجدده من نعمه من ذلك في البشر، لا يذكر سبحانه في ذلك كله وصيا، ولا مما ذكرت الروافض في ذلك كله شيا، ولو كان الهدى يصاب بغير كتب الله ورسله، لعرف الله في ذلك بمنته وفضله، ولذكر حجته على عباده، وما دلهم عليه به من رشاده، كما قال سبحانه فيما أنعم به من وحيه، وَمنَّ به فيه من أمره ونهيه :﴿يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين﴾ [يونس: 75]. وقال سبحانه :﴿يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا﴾ [النساء: 174]. مع ما يكثر في هذا ومثله، من ذكر نعم الله فيه وفضله، وكما قال سبحانه لرسوله، صلى الله عليه وعلى أهله :﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾ [الأنبياء: 107]. وقال سبحانه :﴿لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين﴾ [آل عمران: 164].
وكما قال سبحانه :﴿يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا﴾ [الأحزاب: 45 - 46]. فذكر سبحانه منته على عباده، برسوله وكتابه. وما ذكر في ذلك مما تقول الرافضة ـ بحمد الله ـ قليلا ولا كثيرا، ولا أنه جعل غير رسوله كما جعله سراجا منيرا، فنحمد الله على ما أفرد به رسوله صلى الله عليه وعلى أهله من التقدمة والتبيين، إلى الدلالة به لعباده على كل رشد أودين، فهدى به في أيام حياته، وقبل نزول حِمامه ووفاته، خلقا كثيرا من خلقه، ودلَّهم سبحانه على سبيل حقه، وهو بينهم سَوِيّ حَيّ، ينزل عليه ـ وهم معه أحياء ـ الوحي، ببيان ما التبس عليهم، وبما مَنَّ الله به من بعث رسوله فيهم، وقد أكمل لهم سبحانه قبل وفاته الدين، وأبان لهم به صلى الله عليه وعلى أهله التبيين، بأنور دليل، وأقوم سبيل، وأبلغ حجة في هدى وتبصير، وأهدى هداية تكون بنذارة أو تذكير .
وفيهم ما يقول سبحانه :﴿وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم﴾ [آل عمران: 101]. وكما قال سبحانه :﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا﴾ [المائدة: 3]، خبرا منه سبحانه عن أنه قد بيَّن لهم دينهم كله جميعا تبيينا، ومن ذلك ما يقول سبحانه :﴿فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين﴾ [الأنعام: 149]. وقوله سبحانه :﴿ومالكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين﴾ [الأنعام: 119]. ويقول :﴿يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون، وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير﴾ [الحج: 77 - 78]. فجعلهم جميعا برحمته وفضله، وإكرامه لآبائهم من أوليائه ورسله، شهداء على خلقه وعباده، وأمناءه في أرضه وبلاده .
وجعلهم سبحانه أئمة شهداء كما جعلهم، وفضَّلهم من ولادة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بما فضَّلهم، فبفعلهم للخيرات، وعملهم للصالحات، في كل ما حكم به عليهم من فرضه، وعدهم ما وعدهم من الإستخلاف لهم في أرضه، وما وعدهم في ذلك من مواعيده، وتكفَّل لهم به في الشكر عليه من مزيده.
وأخبر سبحانه بأصدق الخبر عن فسق من كفر منهم نِعَمَه فيه، ولم يؤد من شكره به ما يجب لله عليه، فقال سبحانه :﴿وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا، يعبدونني لا يشركون بي شيئا، ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون﴾ [النور: 55].
فمن لم يفعل من الإيمان ما فعلوا، ويعمل من الصالحات كما عملوا، فلم يجعل الله له إيمانا ولا إسلاما، فكيف يجعله الله في الهدى إماما ؟! وإنما جعل الله الإمام مَنْ هدى بأمره، وعُرِفَ بالجهاد في الله مكان صبره، كما قال الله لرسوله، صلى الله عليه وعلى آله :﴿ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه وجعلناه هدى لبني إسرآئيل وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا، وكانوا بآياتنا يوقنون﴾ [السجدة: 23].
فكيف يكون بالله موقنا أو معتصما، أو عند الله مؤمنا أو مسلما، من يشبه الله بصورة آدم، وبما فيه من صور الشعر واللحم والدم ؟ وأولئك فأصحاب هشام بن سالم .
أو كيف يكون كذلك من قال بقول ابن الحكم، وهو يقول: إن الله نور من الأنوار، وإنه سبحانه حبة مسدسة المقدار، وإنه يُعلم بالحركات ويُعقل، وتحف به الأماكن وينتقل، وتبدو له البدوات، وتخلو منه السماوات. لأنهم يزعمون أنه على العرش دون ما سواه، وأنه لا يبصر ما حجبت عنه الحجب ولا يراه، ويدنو لما يدنو له من الأشياء المشاهدة، وينأى عما نأى عنه بالمباعدة، فما نأى عنه فليس له شهيد، وما قرب منها إليه فهو منه غير بعيد .
والله سبحانه يقول فيما وصف نفسه لعباده، وما تَعرَّف إليهم به من الصفات في كتابه :﴿يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شئ شهيد﴾ [المجادلة: 6]. وقال سبحانه :﴿إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد﴾ [الحج: 17]. وقال سبحانه :﴿ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد﴾ [ق: 16]. وقال سبحانه :﴿وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون﴾ [الأنعام: 3]. أفما في هذا بيان قاتلهم الله أنى يؤفكون!!
]