"الهَـادِي".. بينَ شهادةِ التأريخِ وغـُـبارِ الطائفية !
> الشعوبُ والأمَمُ الحَضَارية لم تـَدرُسْ تأريخـَها لتَصُبَّ عليه »زبالات« فشلها!!، بل لترى الأخطاءَ، وتتحَرَّى الأسبابَ فلا تقعُ فيها مَرَّةً أخرى، لترَى المحاسنَ فتنطلق من حيثُ إنتهت أوائلـُـها، ولكنها لم تكنْ يوماً من الأيام تـَـئِدُ المحاسنَ الوطنية بغباء الأحقاد المذهبية والعُنصرية، كما حاول مُعدُّ برنامج »اليمنُ وحدة عبر الزمن« المشار إليها سابقاً، وها أنذا أقفُ معه الوقفة الثانية بماذا اتهم الإمام الهَـادِي يحيى بن الحسين »٥٤٢هـ- ٨٩٢هـ« بأنه أدخل أو إخترع مذهباً جديداً في اليمن!!، وأنه تعصَّبَ لرأيه أو مذهبه!!، وأنه كان فاتحة للظلام والجهل الذي خيَّم على اليمن لمدة ألف عام!!، وليكن هذا التشويهُ -الذي كان ينبغي أن تـُنزّهَ الفضائية أنظارَ متابعيها عنه- موضوعَ وقفتنا هذه، ولن نـُثبتـَهُ أو نـَـنفيَهُ إلا بعد دراسة ملفات تأريخ الهَـادِي، وليكن التأريخُ حَكَماً بين الهَـادِي ومَن يُريدون نسبةَ كل أخطاء اليمن إليه، وما يجبُ قوله في أحكام التأريخ أنه لا يجبُ أن نقرأَ التأريخَ ونحللـَه ونحكُمَ عليه سلباً أو إيجاباً بحسب معطيات عصرنا هذا، بكلام أوضح لا يجوزُ أن أطالبَ الإمام الهَـادِي أو أسعد بن أبي يعفر بأن يصنعَ سيارةً مثلاً، أو لماذا لم يؤسسَ بنكاً بالمفهوم المعاصر، بل يجبُ أن يُقرأ بمعطيات عصره، وحركته الحضارية، وأن يقاسَ بمعايير جَودة زمانه، وعليه فلن نستطيعَ أن نصلَ إلى قناعة حول الإمام الهَـادِي إلا بعد أن نسلطَ الأضواءَ عليه، ثم لندَعْ حكمَ الضمير والإنصاف يقولُ رأيَه..
فمَن هو الهَـادِي المتهَمُ بمذهب جديد، وبالتعصب والظلامية؟.
{ كتب/ حمود عبدالله يحىى
أسرتـُه ونسَبُه
> يتحدرُ من سُلالة عريقة وشهيرة، تضلعت في علوم الإسلام، وتخصصت لذلك، تلك الأسرةُ هي أسرة القاسم بن إبراهيم أشهرِ أئمة أهل البيت (ع) التي سكنت بلدة »الرَّسّ« من نواحي الحجاز، فنشأ الهَـادِي يرتضعُ العلومَ، ويتتلمذ على مشيخة أهله، ويروي مسنداتهم عن جدهم، وكان أبوه حافظهم، وعمُّه محمدٌ بنُ القاسم فقيهُهم، فأخذ الهَـادِي الحظَّ الأوفرَ من الفقه والحديث والأصول وغيرها، فأذعن له أهلُ البيت، وأقروا له بالسبْق والتقدم.
عِلمُه
> صنـَّـفَ ورَدَّ واختار واستدل ولـمَّا يتعدى السابعةَ عشرةَ من السنين (مآثر الأبرار ٢/٤٦٥، والإفادة /٣٠١)، وذكر المؤرخون أنه ألـَّـفَ حوالي تسعة وأربعين مؤلفاً في صنوف العلم المختلفة (الواسعي /٥٨١، الشافي ١/٣٠٣-٤٠٣، الحدائق ٢/٩٢)، قال أبو زهرة عنه: وعَكَفَ »الهَـادِي« على الفقه يدرسُه من كل نواحيه، وفي كل مصادره...، وكان مرجعاً في الدين من كل الطوائف الإسلامية، والأمصار المختلفة، يسألونه ويستفتونه وهو يَرُدُّ عليهم برسائلَ قيمةٍ أثرَتْ عنه، يُدافعُ فيها عن القرآن والسُّنة، ويُبينُ الحقَّ الذي يَرُدُّ زَيغَ الزائغين. (الإمام زيد/ ٩٠٥)، وكان أعلمَ الناس حتى بمذاهب الآخرين وأصولهم، فقد ورد عليه أبو بكر بن يعقوب عالمُ أهل الري وحافظهم فقال: قد ضل فكري في هذا الرجل -يعني الهَـادِي- فإني كنتُ لا أعترفُ لأحد بمثل حفظي لأصول أصحابنا، وأنا الآن إلى جنبه جذعٌ، بينما أجاريه في الفقه، وأحكي عن أصحابنا قولاً، فيقول: ليس هنا -يا أبا بكر- قولـُـكم، فأرادده فيُخرِج إليَّ المسألة من كتبنا على ما حكى وادَّعى، فقد صِرْتُ إذا ادعى شيئاً عنا أو عن غيرنا لا أطلبُ منه أثراً. (المآثر ٢/٥٦٥، الشافي ١/٤٠٣، الحدائق ٢/٥١، الإفادة /٣٠١)..
وليس الباحثُ المنصف بحاجة إلى قراءة أقوال المؤرخين في »أعلمية الهَـادِي«، فكثيرٌ من كتب الهَـادِي موجودةٌ ومطبوعة، وهي الدليلُ الحسي على ما يُريدُ أن يصلَ إلى حقيقته، فليُيَمِّمِ الباحثُ وِجهتـَه شطرَها، ليرى أيَّ بحر فاضت منه تلك اللآلئُ، وأيَّ كنز حوى تلك النفائسَ، وسأورد لاحقاً أقوالَ المنصفين من علماء ومؤرخي المسلمين.
شجاعتـُه
> تجمع المصادرُ أنه كان على قدر كبير من الإقدام والبسالة والقوة والبطولة التي لا تتوافر إلا لأفراد معدودين على مر التأريخ، كان يقومُ مقامَ المئات من الجنود، ويتقدمُ جُندَه دائماً في أول اللقاء، ويتأخرُ عنهم في العطاء كما اشترط على نفسه، كان ذات يوم في بعض حروبه فرفع الرجلُ يدَه بالسيف ليضربَه فأهوى (ع) بيده، فقبض بها على يد الرجل على مقبض السيف، فهشم أصابعَه. (المصابيح/ ٣٧٥، الحدائق ٢/٦٣)، وضرب رأسَ رجل مرة فخذف السيف من بين رجليه في المعركة. (المصابيح/٣٧٥، والحدائق ٢/٦٣)، وأيده اللهُ بالقوة الخارقة فكان يدخُلُ في صباه السوقَ، ويقول: ما طعامكم هذا؟. فيقال: الحنطة. فيدخل يدَه في الوعاء، فيأخذ منها في كفه ويطحنه بيده، ثم يخرجُه فيقول: هذا دقيق، وكان يمحو سكة الدينار بإصبعه. (الحدائق ٢/٥٢-٦٢).
تواضُعُه الجَمُّ
> إذا خرج من منزله لصلاة أو لغيرها سلـَّـمَ على جميع مَن يمُرُّ به من شريف أو دنيء، أو فقير أو غني، وكان يعودُ المريضَ حتى أنه رُؤي وقد عاد بعضَ خدم أصحابه (السيرة /٣٥، الإمام الهَـادِي للباحث نعمان /٠١٢)، وكان يكلمُه الصبيُّ الصغيرُ أو المرأة الكبيرة أو الرجل فيقفُ معهم طويلاً حتى يسألوا حوائجَهم فيقضيها لهم. (السيرة/ ٨٥)، وكان يدني الأيتامَ والمساكين من مجلسه، ولا يأكل طعاماً حتى يطعمهم منه، ويأكل معهم. (السيرة/٨٥)، بَيْدَ أنه كان يرى أن الإفراطَ في التبسُّط للناس ومخالطتهم ليس في صالح هيبة الدولة (السيرة/٤٥)، وناداه رَجُلٌ يوماً بالسيِّد، فقال له: لا تعُدْ تقولُ هذه مَرَّةً أخرى، فإنما السيِّدُ اللهُ، وإنما أنا عبدٌ ذليلٌ.. (السيرة/٣٥).
وَرَعُه الشحيح