بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على سيدنا محمد واله
لما كانت مسائل المذهب الزيدي الهادوي وأحكامه المقررة ، التي حصَلها وجمعها وأصلَّ قواعدها فريق من كبار علماء هذا المذهب على فترات مختلفة من تاريخ ظهوره حتى انتهت إلى ما هي عليه اليوم غير معزوَّةٍ كلها إلى الإمام الهادي يحيى بن الحسين ، كما لم تكن كذلك معزوةً أيضاً إلى الإمام الأعظم زيد بن علي ، فكان في نسبة هذا المذهب إليهما أو إلى أحدهما تجاوز للحقيقة ، وخروجٌ عن الواقع .
لذلك فقد تنبه الإمام محمد بن إسماعيل الأمير لهذا الأمر المشكل ، فذاكر جماعةً من العلماء المبرزين في هذا المذهب ، منهم والدُه وبعضُ شيوخه ، مثل صلاح بن حسين الأخفش ، وعلي بن يحيى بن لقمان ، وعبد الله ابن علي الوزير ، كما ذاكر به بعض تَلاميذه ، مثل إسحاق بن يوسف ابن المتوكل إسماعيل ، مستفسراً عن تعيين صاحب هذا المذهب ، ومن هو واضع قواعده ، وجامع شتات مسائله ، ليكونوا على علمٍ به ، فصاع إسحاقُ بن يوسف هذا السؤال في قصيدته التالية التي سماها ( عقود التشكيك ) :
أيها الأعلامُ من ساداتنا ومصابيح دياجي المشكلِ
أخبرونا ما الذي تَدْعونه مذهباً في القول أو في العملِ؟
من هو المتبوعُ سمُّوه لنا علَّنا نقفوه نهجَ السبل(1)
فإذا قلنا : ليحيى ، قيل : لا هاهنا لحق لزيد بن علي
وإذا قلنا : لزيد ، قلتم : بل عن الهادي هنا لم نعدلِ(2)
وإذا قلنا : لهذا ولذا فهما خير جميع الملل
وسواهم من بني فاطمةٍ أمناء الوحي بعد الرسل
قرروا المذهبَ قولاً خارجاً عن نصوص الآل وابحث وسلِ
أن يكن قرَّره مَنْ دونَه فقد انسدَّ طريقُ الجدل
ثم من ناظر أو جادل أو رام كشفاً للذي لم ينجل
قدَحُوا في دينة واتخذوا عِرضَه مرمى سهام المنصل(3)
وقد أجاب على هذا السؤال المشكل العلامة الحسن بن إسحاق بقوله :
حبذا نظلمُ سؤالٍ جاءنا من بليغٍ لا يُجارى مِقْوَلِ
قال فيه : هل لنا من مذهب يقتفى في القول أو في العمل ؟
أم تُركنا هملاً نَرعى بلا سائَمٍ نقفوه نهجَ السُبل
إن تكن مُسترشداً فاسمع لما لك أُمليه ومَل عن مَلل
ما تُركنا هملاً كيف وقد جاءنا خيرُ نبي مُرسل
بكتابٍ مُعجر فيه هدى وشفاء من جميع العلل
فإذا رمت اهتداءً فاجتهد فاجتهاد المرء خيرُ العمل
واتبع سنته معتمداً لدلي مُسندٍ متصل
لا تقلد عالماً مجتهداً لدليل مُسندٍ متصل
وإذا لم تستطع هذا فثق بعُرى آلأ أجلِّ الرسل
قلِّد الآلَ ، وعنهم لا تمل تنجُ قطعاً عن مهاوي الزللِ
لا تقل : إن اختلافاً بينهم صَّر الواضح مثل المشكل
((وإذا قلنا : ليحيى قيل لا ها هنا الحقَُ لزيد بن علي ))
واختلافُ الآل فيما بينهم ليس قدحاً سيَّما في العمل
إن أصحابَ النبي اختلفوا وهمُ خيرَ القرون الأولِ
فارجع اليومَ لما قرَّرَهُ آخرُ منتصرٍ للأولِ
قد بنى الفرعَ على أصلٍ إلى مقصِدِ الشَّابق منهم موصِلِ
فإذا خالف يحيى أصله خطأَ قيل : بذا لم نعملِ
فإلى الكُلِّيِّ من تأصيلهم رد جزئي فذا لم يشكلِ
قلت : أيضاً وسواهم من بني فاطمةٍ أمناء الوحي بعد الرسل
قرروا المذهب قولاً خارجاً عن نصوص الآل فابحث وسل
إن يكن قرره منهم فتىً فهو من أقوالهم لا تذهل
داخلٌ لا خارجٌ عنهم فمن رام تقليداً له فليفعل
أو يكن قصدُ ك تقرير الذي هو عنهم خارجٌ في معزل
لم يكن منهم ولا من شيعةٍ لهم فاردُدْ مقال الأرذل
أو فطالبه دليلاً مسنداً سالماً إسناده عن علل
فبذاك الفلج لا الدعوى بلا شاهدٍ يهدي إلى الحق الجلي
قلت : لكن إن يكن قرًّرَه ذو اجتهاد مثل ذاك الأول
فهو تقليدٌ له أو غيره فقد انسدت طريقُ الجدل
فأجبنا أنه مجتهد ناشر أعلام خير الملل
وافقت أنظاره أنظارهم وهو أيضاً لم يقل : ذا القولُ لي
فإذا قلدتَه قلدتَهم فبهذا كلُ شكٍ ينجلي
وله بعضُ اختياراتٍ لها صار ما قرَّره كالمهمل
وهو لا يقدح في تقريره وعلى ذي درية لم يشكل
إذ على مختاره قامت له حجة واضحة لم تهمل
وكذا المذهب لابدَّ له من دليلٍ ما به من خلل
لكن الآخر لم يعرفه وإلى مفهومه لم يصل
وهو لا يوجب تركاً للذي قرَّروه مذهباً يا أملي
وإذا قرره مِثلهم فتأمل نلتَ كلَّ الأمل
وكذا من دونه مجتهداً مذهباً وهو بتقرير ملي
وأرى التقرير في عُرفهم نقل مختار الإمام الأكمل
وهو لا يشرط في الناقل أن يرتقي في العلم أعلى منزل
بل إذا قد كان عدلاً حافظاً ضابطاً في نقله لم يغفل
اكتفينا منه في التقرير في مفردات الحكم أو في الجمل
لا إذا قرره غيرهما فهو سيّان وراعي الإبل
وإليك اليوم نظماً ماحياً نورهُ الساطع ليل المشكل
هو مثل الماء في رقَّته وهو في قوته كالجبل
وأجاب عليه أيضاً العلامة عبد الله بن علي الوزير :
أيها السائل هل من مذهبٍ خذ جواباَ في الذي قدمت لي
هو لا يعدو عن الأمرين أي في اعتقاد هو أو في العمل
فاجعل التوحيد والعدل الذي تنتحيه للمقام الأول
وأرى زيداً ويحيى والذي قلته قد شرعا في المنهل
واجعل الأعمال للثاني وخذ فيه تفصيل مقام مجمل
فهما ما اتفقنا فيه فقل قد كُفينا مُّؤْنة المستشكل
ويسيرٌ فيه قد خالف ذا ذاك فابحث عنه تظفر وسلِ
والأعمُّ الأغلبُ الحكم له ثابتُ ، الأمر في ذاك جلي
فأحط علماً ، وقل مِنْ معد ذا للذي ينحو طريق الجدل
مذهب الهادي إمامُ النَّظرِ في ما ترى مذهب زيد بن علي
فاحصر المذهب في زيدٍ وق : أنا من أتباعه ذاك الولي
والذي قرر ما لم يذهبا نحوه فصِّلْه ثمَّ انفصِلِ
إن يكن في الأصل فلينظر فما يقبل التقليدَ إلا العمل
فاجتهد من بعد هذا ثم قل للذي يسأل أو لم يسأل
(( ما تُركنا هَملاً نرعى بلا سائمٍ نقفوه نهج السبل ))
ولما اطلع محمد بن إسماعيل الأمير على الجوابين السابقين أجاب بما يلي :
قد أتيتُم بسوالٍ مشكل لا أرى إشكاله بالمنجل
كم سألنا عنه قوماً غيركم من أولي العلم وأهل الجدل
وأجابوا بجوابات لهم كلها في حَلِّه غير جلي
ويقولون : هو زيديةٌ وهمُ عن نهجه في معزل !!
هذه كُتْبُهم ماطقة بالخلافات لزيد بن علي
إن تبعت النص في مسألةٍ قيل : هذا شافعي حنبلي
وإّا قلت حديث المصطفى قلتم : المذهب أهدى السبلِ
قصروا الحق على مذهبهم ثم ذا المذهب لم يظهر للي
ومع تصويبهم كلا بلا مريةٍ فالقصر عين المشكل
فاجعلوا الكلَّ سواءً فيه أو فامنعوا تقليد غير الأفضل
وعلى نظم وقفنا رائق في جواب لذكي مقول
قد أزال الهم عنا لفظه ما خلا إشكالنا لم يزل !؟؟
قال : قلد كل آل المصطفى تنج قطعاً عن مهاوي الزلل
قلت : هذه بغيتي لكنه لم يقل ذا أحد يا أملي
أتراني لو رفعت الكف في حال تكبير ، وذا رأي الولي
هل ترى أشياخكم تتركني ؟ أم يقولون أتى بالمعضل
خالف المذهب في البدعة في رفعه الكفين فليعتزل !
أنا آمل منكم رشدا ً فبحق الله أوفوا أملي
وجواب آخر طالعته صرت من رقته كالثمل
قد حلا لي لفظه لكنه لا أراه حل عقد المشكل
وأتى فيه بتحقيق لما في أصول الدين والأمر جلي
إذا هم قد حرموا تقليدنا في الأصولين فعنه انعزل
إنما السائل في ما قاله عن سوى تقليده لم يسل
قال : ما المذهب في قولكم عن عرى المذهب لا ينفصل
وإلى أي فتى نسبته من بني الزهراء أبناء علي
ثم قلتم : إن يحيى قوله قول زيد ابن الولي ابن الولي
وأرى هذا عجيبا عله قاله ناظمه مع شغل
فاتحاد القول ما بينهما مثل ما قد قلته لم يقبل
والخلافات لنا شاهدة كم رواها عنهم من رجل
فإذا قلتم كفى في المدعي اتفاق منهم في الجمل
قلت : هذا حاصل في كل من خالف الآل فقتش وسل
فاجعلوا الأقوال قولاً واحداً لا تقولوا حنفيٌ حنبلي
ثم هذا مقتضى قولكم في جوابٍ راقَ مثل السلسل
إن يكن في عملٍ فالكل في دفع ما استشكل مثل الأول
فأعيدوا نظراً ثم أرشدوا ذلك السائل أهدى السبل
ولما أطلع الحسنُ بن إسحاق على ما أجاب به البدر محمد بن إسماعيل الأمير على ما سبق من الإجابات ، كتب إلى والده العلامة إسماعيل بن صلاح الأمير :
أيها الوالد والمولى الذي حاز علماً زانه بالعملِ
والعظيمُ الفاضلُ والبدرُ ومَن عنده فصلُ الشجار المعضل
هاك ذا النظم جواباً قلتُه عن سؤالٍ واردٍ مستشكلِ
سلَّ سيف الذبِّ عن مذهبنا ماحياً ليلَ السؤال المشلك
وأرى بدر الهدى مَن ذِكره سار في الآفاق سير المثل
لم يُسلم ما ذكرنا قائلاً لا أرى الإشكال ذا بالمنجل
وإليك الحكم في ما بيننا فاحكمنْ بالحق فيه واعدلِ
دمتَ للأحكام فينا مرجعاً ومبيناً منهج الحق الجلي
فأجاب عليه نثراً بهذا الجواب ، وهو رابع الأجوبة على السؤال : (( المولى الأعظم العلامة ، الشامة في غُرَّة هذا العصر ، والعلامة شرف الإسلام ، ولسان العترة الكرام ، أيده الله تعالى ، وأبقاه زينةً للأنام ، وحسنةً للأيام ، وأهدى إلى مقامه العلي أفضل السلام .
وصل نظمكم سيدي الفريد ، ودر نضيد ، مصحوباً بالجواب الوافي المهذب في حلّ الإشكال ، الوارد على المذهب ، وقد أجبتم بغاية ما يمكن من التوجيه ، ولا ينتبه بمثل ذلك إلا نبيه . وقد كان هذا السؤال لا يزال يمر بالخاطر ، ويُجاب عنه بما لا يقع به الناظر فما يُحك ؟ بالبال تقريرهم أولى إن كل مجتهد مصيب من الصواب أو الإصابة ، ثم نراهم قاصرين الحق على المذهب ، ثم الانتساب إلى زيد بن علي يكاد يقلع هذه النسبة ، وما هو إلا كقولهم : خلافاً للشافعي ، خلافاً لأبي حنيفة ، مع أنه قد تتفق الموافقة لهما في بعض ، ثم هذه المذاهب ما يعني المنسوب إلأيه ، فإنه قد يختار كلام الهادي عليه السلام ، ثم المقررون للمذهب أيضاً قد يختلفون فيما بينهم ، فصار المذهبُ علمً في حكم النكرة ، ويحكمون على المخالف بالخطأ مع الحكم بإصابة كل مجتهد . وهل هذه إلا مناقضة ظاهرة ؟ وقد كان ظهَرَ للتوجيه ما ظهر لسيدي وفيه والله لا أخلى عنكم الوجود ! ولا زال نظم عقودكم في حل العقود ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته )) . انتهى
ثم أجاب الحسن بن إسحاق بجواب آخر على السؤال ، وهو الخامس ، ولم يكن في وزنه ، وهو قوله:
يا سائلاً بنظمه هل مذهبٌ يُتبع في أحكام خيرِ الملل
إن كنتَ يا سائلنا أهلاً لأن تنظر في علميِّها والعمل
فلا تسل بذا تعنتاً وكن مجتهداً وانظر وحقِّق واعملِ
وارفع لتكبير وضُمَّ الكفَّ إن صحَ عن النبي خيرِ الرسل
ولا تخف يوماً مقال جهل مهما ظفرت بالهدى فلتقُل
وإن قصرت رتبةً عن ذا فكن مقلداً آل النبي المرسل
لا تَعْدُ عن تقليدهم ففضلهم جاء به في السنة النصُ الجلي
معتمداً إجماعهم إذ أجمعوا وفي الخلاف اسمع مقال الأفضلِ
ملتزماً طريقة واحدةً كي لا تُعدَّ آخذاً بالأسهل
واعتمد (( الأزهار )) إن لم تستطع تبحثُ عن أفضلهم والأكمل
ففيه تقريب لما استبعده مَن ليس للآلات بالمستكمل
وإن ترى التَّقريرَ في شروحه مختلفاً عن الشيوخ الأُول
وإن سئلت نسبة المذهب قل نسبتُه لآل خير الرسل
والوجه في تحقيق زيد أنه أول من ألّف من آل علي
يرويه عن أبيه عن جدوده أكرم بزيد الولي ابن الولي
ومن يرد خروجه عن كلهم بقولِ واحدٍ من غيرهم أو عمل
قد بطلت نسبتُه إليهم فما لَهُ عندهم مِنْ مدخل
أولا تطيب النفسُ منك بالذي قد قلتهُ فهات لي يا أملي
ماذا الذي يفعلهُ مَنْ لم يكن مجتهداً في عصرنا بيِّنه لي
ولم يكن في قُطره مجتهدٌ يسأل منه حلَّ عقد المشكل
كمن قرا القرآن ثم اشتاق أن يمتازَ عن رتبة راعي الإبل
وما له على اجتهادٍ قدره لأنه بعيشه في شغل
فهل له يفعل ما أراده كالجاهل الِّرف الذي لم يعقل
يجوز إن وافق قولَ قائلٍ في حاضرِ الحالة والمستقبل
مع كونه يمكنه يلتزم ((الأ زهار)) في فصوله والجمل
وإنني قد خضت عبرَ بحرِكم إذ طال فيه الخوض خوفَ الملل
وقاصد منكم جواباً في الذي سألتُ عنه فأجب وعجِّل
فأجاب محمد بن إسماعيل الأمير عليه في غير ذلك الوزن والروي ما لعله يحل من الإشكال معظمه ، وهو الجواب السادس :
وقفت على السؤال وما حواه وقوف محاولٍ فهم الخطاب
فلما ذقت فحوى ما حواه وقفت على الجوابات العذاب
فيا لله ما أحلى معانٍ وألفاظٍ أرق من الشراب
حلَت لكن خلت عن كل معنى يُسوّغ أن يُسمى بالجواب
أتسقون الفتى الظمآن منكم إذا استسقى بكأسٍ من سراب
خذوا عني خذوا عني جواباً وذباً عن بني أبي ترابِ
ودونك أيُّها الحيران فاسمع جواباً لم يكن في حساب
فمذهبُنا إذا ما أطلقوه وقرّره النجوم منَ الصحابِ
وأطلقه المحقِّقُ في الفتاوى وعنونَه بعنوان الصواب
وأضحى في يد الحكام سيفاً يشق به القضايا كالرقاب
وقيَّده الرؤوس لذي دروسٍ بلفظة مذهب طيّ الكتاب
وسنة أحمدٍ مهما رواها جهابذة الأئمة والصحاب
كذلك ما يسلسله ثقاتٌ إلى المولى الوصّي أبي تراب
فإن فُقدَت أبيح له رجوعٌ لتحصيل القياس بالاكتساب
وللتمييز يكتبها بحسنٍ فقيهٌ في المدارس لا يحابي
فذلك مذهبٌ يدعى ليحيى إمام القُطر والبحر العباب
هو المتبوع وهو لذاك أهلٌ إلى المحراب يعدو والحراب
له عند التقا الأبطال وجد وشغل بالطِّعان وبالضراب
وعند السِّلم أقلامٌ تبارى بأقوال تُؤيَّدُ بالكتاب
فهذي حجة الأقوال مهما أتت فاشكر لما أهدى خطابي
وخرَّج بعدَ ذاك له أناسٌ من النُّظار فاطَّرِحِ التَّغابي
وقد جعلوا المخرّج شبه نصٍ ليحيى داعي الحق المجابِ
فإن يتعارض القولان نصاً وتخريجاً فخُلفٌ في الصحاب
فبعضهم يرجِّح نصَّ يحيى وبعضهم مفاهيم الخطاب
فمن هذا يُذهب ذاك قولاً وذاك إلى سواه في ذهابِ
وكم خدمَت مقالته أناسٌ همُ مثل المؤَّد والشِّهاب(5)
لهذا صنَّف التجريد قصداً لإظهار الأدلة والصواب
وهذا باقتصار واختصار أتى في ذاك بالبحر العباب
ولا تعجب إذا ما خالفاه وتحسب أنَّ ذاك مِن الخراب
لما قد اسّساه لأصل يحيى سقى مثواه هطَّالُ السَّحاب
فما المقصود إلا أنَّ هذا قويٌّ للمقلد في حساب
ومختاري يخالفه لأني عرفتُ الحقَّ فيه فلا أحابي
فهذا أصلُ مذهبنا ولكن ذوو التدريس في الكتب الصعاب
أجلُّهم ذوو التقصير في ما رأوْهُ أو روَوه في كتاب
فلم يدروا بمذهبنا يقيناً وقد خلطوا الخطا مع الصواب
وذهبوا الضعيف وقرَّروه وما خافوا مناقشة الحساب
وأوقعوا الذي ينشى لديهم كإيقاع الفراشة في الشِّهاب
فإن أصغى لفطرته قليلاً رأى الأقوال في موجِ اضطراب
كسائلنا الذي وافى برشدٍ مُريداً للنجاة من العذاب
فخذ هذا جوابك عن سؤال غدا منه فؤادك في التهاب
وإن ترد النَّصيحة بعد هذا فألقِ دِلاك في البحر العُباب
علوم الإجتهاد إلى رباها تسامى واقتَطِفْ منها الرَّوابي
وخُصَّ محمداً خير البرايا كذاك الآل طُراً والصحاب
بتصليةٍ وتسليمٍ كثيراً تزورهم إلى يوم الحساب