بسم من خلق فهدى
رب اشرح لي صدري
يتداول السلفيون كثيراً ما روي عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه في "نهج البلاغة" لما جاءه الناس لبيعته بعد مقتل عثمان : دعوني والتمسوا غيري ..
محتجين بها بأن أمير المؤمنين لو كان إماماً حقاً لما رفض بيعة الناس له!
هذا مُجمل شبهتهم ..
والملاحظ أنه في بعض نقل السلفيين - كما هو دأبهم - بتر كلام أمير المؤمنين ، فينقلوها هكذا :
قال أحدهم :
كما نقلناه هنا
http://www.shia.ws/forum/showthread.php?t=1616438[ و أما قول الرافضة الإمامية أن هناك نص على تولية علي رضي الله عنه فلم يصح ذلك أبداً.
و عندما أراد المسلمون الموالون لعلي أن يُبايعوه على الإمامة - إنظـــــــــروا مـــــــــاذا قـــــــــال لـــــــــهم :
(( دعوني والتمسوا غيري فأن أكون لكم وزيــراً ، خير لكم من أكون لكم أميــــراً )) - كتاب نهج البلاغة ج 1/ ص 181 : 182 شرح العلامة الشيعي الشريف المرتضى، طبعة بيروت.
وقال علي رضي الله عنه أيضاً : (( والله ما كان لي في الولاية رغبة ولا في الإمارة إربة ، و لكنكم دعوتموني إليها. و حملتموني عليها )) - نهج البلاغة ج 1/ ص 322. ]
وقال آخر :
هنا
http://www.alserdaab.org/new_page_26.htm[ قال - علي - : « دعوني والتمسوا غيري فإني لكم وزيرا خير لكم مني أميرا.. ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم، ولأن أكون لكم وزيراً خيراً من أن أكون عليكم أميرأ » (نهج البلاغة 181-182).
..
قول علي « والله ما كانت عندي للخلافة من رغبة ولا للولاية إربة لولا أن دعوتموني إليها وحملتموني عليها » (نهج البلاغة 322 الأمالي ص732 بحار الأنوار32/30). ]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقول ومن الله نستمد العون والتوفيق :
لنا جواب على هذه الشبهة ننقله من موضوع لنا سابق :
قلت أنا مرآة التواريخ :
وأما قولك
[ و عندما أراد المسلمون الموالون لعلي أن يُبايعوه على الإمامة - إنظـــــــــروا مـــــــــاذا قـــــــــال لـــــــــهم :
(( دعوني والتمسوا غيري فأن أكون لكم وزيــراً ، خير لكم من أكون لكم أميــــراً )) - كتاب نهج البلاغة ج 1/ ص 181 : 182 شرح العلامة الشيعي الشريف المرتضى، طبعة بيروت.
وقال علي رضي الله عنه أيضاً : (( والله ما كان لي في الولاية رغبة ولا في الإمارة إربة ، و لكنكم دعوتموني إليها. و حملتموني عليها )) - نهج البلاغة ج 1/ ص 322. ] انتهى كلامه
أقول في جوابه : ماذا أقول ؟؟ ... ابكي ؟؟؟ ...... أم اضحك ؟؟
هذا الذي تقوموا به حراااااااااام ..... ارحموا عقولكم ..... فلقد أنزلتموها وأنزلتموها حتى أنَّت من النزول .
فلماذا هذا الإصرار على الكذب ؟؟؟ ..... ألا تستحون؟؟؟؟ .... ولماذا التحريف والبتر والاقتطاع ..!!؟؟ .... ألم تحيدوا عن هذا المسلك ؟؟؟ ... إلى متى ؟؟؟؟
تعال معي لنقرأ ما قاله أمير المؤمنين (ع) واقرنه بما نقله سيادة الأستاذ عنه واحكم :
((ومن كلام له (عليه السلام) لما أراده الناس على البيعة بعد قتل عثمان رضي الله عنه
دَعُونِي والْتَمِسُوا غَيْرِي فَإِنَّا مُسْتَقْبِلُونَ أَمْراً لَهُ وُجُوهٌ وأَلْوَانٌ لا تَقُومُ لَهُ الْقُلُوبُ ولا تَثْبُتُ عَلَيْهِ الْعُقُولُ وإِنَّ الآفَاقَ قَدْ أَغَامَتْ والْمَحَجَّةَ قَدْ تَنَكَّرَتْ. واعْلَمُوا أَنِّي إِنْ أَجَبْتُكُمْ رَكِبْتُ بِكُمْ مَا أَعْلَمُ ولَمْ أُصْغِ إِلَى قَوْلِ الْقَائِلِ وعَتْبِ الْعَاتِبِ وإِنْ تَرَكْتُمُونِي فَأَنَا كَأَحَدِكُمْ ولَعَلِّي أَسْمَعُكُمْ وأَطْوَعُكُمْ لِمَنْ وَلَّيْتُمُوهُ أَمْرَكُمْ وأَنَا لَكُمْ وَزِيراً خَيْرٌ لَكُمْ مِنِّي أَمِيراً.))انتهى بعين حروفه.
لو عددت مجموع الكلمات بين الأقواس من عند ((دعوني والتمسوا غيري )) إلى آخرها تجد مجموعها تقريباً 56 كلمة . ((وأقول تقريباً))
الأخ الأستاذ حذف منها 43 كلمة .
نقل فقط 13 كلمة .
والمضحك المبكي أنه ليته لم يحرّف ما تبقى عنده ، بل حتى ما تبقى عنده من حروف مسكينة طالتها يد التحريف ، فيبدوا أن مرض التحريف يجري في عروقهم مجرى الدم .
أتدري لمَ حَذَفَ ما حذف من كلام أمير المؤمنين (ع) ؟؟؟
لسبب بسيط ، هو أن الكلام المحذوف فيه تفسير لكلامه (ع) ((دعوني والتمسوا غيري ..الخ)).
ومن تدبّر كلامه كله علم المغزى من هذه الكلمة.
ولم يكفه ذلك ايضاً بل تعداه إلى ما نقله عنه (ع) في كلمته الثانية
فتعال وقارن أيضا :
((ومن كلام له (عليه السلام) كلم به طلحة والزبير بعد بيعته بالخلافة وقد عتبا عليه من ترك مشورتهما، والاستعانة في الأمور بهما
لَقَدْ نَقَمْتُمَا يَسِيراً وأَرْجَأْتُمَا كَثِيراً أَ لا تُخْبِرَانِي أَيُّ شَيْءٍ كَانَ لَكُمَا فِيهِ حَقٌّ دَفَعْتُكُمَا عَنْهُ أَمْ أَيُّ قَسْمٍ اسْتَأْثَرْتُ عَلَيْكُمَا بِهِ أَمْ أَيُّ حَقٍّ رَفَعَهُ إِلَيَّ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ضَعُفْتُ عَنْهُ أَمْ جَهِلْتُهُ أَمْ أَخْطَأْتُ بَابَهُ. واللَّهِ مَا كَانَتْ لِي فِي الْخِلافَةِ رَغْبَةٌ ولا فِي الْوِلايَةِ إِرْبَةٌ ولَكِنَّكُمْ دَعَوْتُمُونِي إِلَيْهَا وحَمَلْتُمُونِي عَلَيْهَا فَلَمَّا أَفْضَتْ إِلَيَّ نَظَرْتُ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ ومَا وَضَعَ لَنَا وأَمَرَنَا بِالْحُكْمِ بِهِ فَاتَّبَعْتُهُ ومَا اسْتَنَّ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) فَاقْتَدَيْتُهُ فَلَمْ أَحْتَجْ فِي ذَلِكَ إِلَى رَأْيِكُمَا ولا رَأْيِ غَيْرِكُمَا ولا وَقَعَ حُكْمٌ جَهِلْتُهُ فَأَسْتَشِيرَكُمَا وإِخْوَانِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ولَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ أَرْغَبْ عَنْكُمَا ولا عَنْ غَيْرِكُمَا. وأَمَّا مَا ذَكَرْتُمَا مِنْ أَمْرِ الأسْوَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ لَمْ أَحْكُمْ أَنَا فِيهِ بِرَأْيِي ولا وَلِيتُهُ هَوًى مِنِّي بَلْ وَجَدْتُ أَنَا وأَنْتُمَا مَا جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) قَدْ فُرِغَ مِنْهُ فَلَمْ أَحْتَجْ إِلَيْكُمَا فِيمَا قَدْ فَرَغَ اللَّهُ مِنْ قَسْمِهِ وأَمْضَى فِيهِ حُكْمَهُ فَلَيْسَ لَكُمَا واللَّهِ عِنْدِي ولا لِغَيْرِكُمَا فِي هَذَا عُتْبَى. أَخَذَ اللَّهُ بِقُلُوبِنَا وقُلُوبِكُمْ إِلَى الْحَقِّ وأَلْهَمَنَا وإِيَّاكُمُ الصَّبْرَ.
ثم قال (ع): رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً رَأَى حَقّاً فَأَعَانَ عَلَيْهِ أَوْ رَأَى جَوْراً فَرَدَّهُ وكَانَ عَوْناً بِالْحَقِّ عَلَى صَاحِبِهِ.))انتهى بعين حروفه.
أقول : واضح أن ما حذفه ، فيه توضيح لما نقله مبتوراً . والأمر لا يحتمل الشرح لمن ألقى السمع وهو شهيد.
وأُعْلِمكم بأنني لم اضحك في حياتي كما ضحكت الآن .... أتدرون لماذا ؟؟؟
تعالوا معي واقرأوا قوله : ((كتاب نهج البلاغة ج 1/ ص 181 : 182 شرح العلامة الشيعي الشريف المرتضى، طبعة بيروت.))
الشريف المرتضى !!!!!!!؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
رجل يدعي أنه ينقل عن كتاب بالجزء والصفحة والطبعة ولا يعلم مصنّفه!!!؟؟؟
فنهج البلاغة ليس للشريف المرتضى رضوان الله تعالى عليه ، بل هو لأخيه الشريف الرضي (رضوان الله تعالى عليه) الأصغر منه والمتوفى سنة (406هـ).
فلقد تسالم أصحاب التراجم والتأريخ أن هذا المصنف للرضي لا للمرتضى ، فكل من ترجم للرضي نسبه إليه ، إلا من شذّ منهم أمثال ابن خلكان والذهبي وغيرهما فترددوا فيمن صنفه بينه وبين أخيه ، وهو قول ضعيف شاذ لا يعبأ به ولا يعوّل عليه ، لعدّة أسباب :
أولا : أن الرضي ادعى تصنيف وجَمْع نهج البلاغة ، وذكر ذلك في مصنفات أخرى له مثل خصائص الأئمة وغيره ، ولم يدّع أحد غيره تصنيفه ، لا الشريف المرتضى ولا غيره البتّة.
وثانيا : أن الشيعة الامامية – وهم أعرف به من غيرهم - متسالمة على هذا الأمر ولا يوجد بينهم اختلاف .
وثالثاً : لا يمكن أن تجد نسخة من النهج ، مخطوطة كانت أو مطبوعة مكتوب على غلافها الخارجي أو الداخلي أنها من تصنيف غير الرضي ، والغريب في أمر هذا الرجل زعمه أنه ينقل عن طبعةٍ للنهج – وقطعاً – مكتوب عليها أنها من تصنيف الرضي ، ومع هذا يصرّ هو ومن نقل عنه على هذا التخريف ، أعني التحريف !!!!
لماذا ... لا أعلم!!؟؟؟
نرجع إلى ما كنا بصدده بخصوص كلمة أمير المؤمنين ((دعوني والتمسوا غيري ...)) .......
فلقد وجدت جوابين لشيخين من شيوخنا فاضلين ، أحدهما مقتضب والآخر مطول ، الأول للشيخ عادل الأديب ، والآخر للشيخ خالد أبا ذر العطية فإليكهما ففيهما الكفاية
قال الشيخ عادل الأديب في كتابه "دور ائمة اهل البيت عليهم السلام في الحياة الاسلامية" تحت موضوع (الإمام (عليه السلام) وموقفه من تولي الحكم ) :
((بعد مقتل الخليفة عثمان، توجهت انظار الثوار الى الامام علي (ع) «يطلبون منه ان يلي الحكم، ولكنه ابي عليهم ذلك، لا لأنه لم يأنس من نفسه القوة على ولاية الحكم وتحمل تبعاته، فقد كان (ع) على تمام الاستعداد لذلك، كان قد خبر المجتمع الاسلامي من اقطاره، وخالط كافة طبقاته وراقب حياتها عن كثب، ونفذ الى اعماقها، وتعرف على الوجدان الطبقي الذي يشدها ويجمعها، وقد مكنه من ذلك مركزه الفريد من النبي (ص) وهو مركز لم يكن احد من الصحابة يتمتع به، اعده اعداداً تاماً لمهمة الحكم»(2)
بل ان الامام رأي المجتمع الاسلامي قد تردى في هوة من الفوارق الاجتماعية والاقتصادية والتي زادت عمقاً واتساعاً بسبب سياسية ولاة عثمان خلال مدة الخلافة، ورأى ان التوجيهات الاسلامية ومفاهيمها العظيمة التي عمل النبي (ص) طيلة حياته على ارساء اصولها في المجتمع الاسلامي الناشئ قد فقدت فاعليتها في توجيه حياة الناس. وانما صار الناس الى واقعهم هذا لأنهم فقدوا الثقة بالقوة الحاكمة التي تهيمن عليهم، فراحوا يسعون الى اقرار حقوقهم وصيانتها بأنفسهم.
«وقد أدرك (ع) ان حجم الحاجات التي يفتقر اليها الناس والآمال التي تعمر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)راجع حركة التأريخ عند الامام علي (ع) / محمد مهدي شمس الدين، ص: 143
(2) راجع للتوسع ثورة الحسين / شمس الدين، ص:51
قلوبهم اكبر بكثير من حجم الامكانات التي توفرها مؤسسات الدولة، وأن حجم المعوّقات التي يمثلها رموز العهد الماضي، وقواه التي شلتها الثورة فاضطرت الى الانكماش.. حجم هذه المعوّقات كبير وخطير، لأنها مستشرية في جميع مراكز السلطة»(1)
وهكذا انقطعت الصلة بينهم وبين الرموز المعنوية التي يجب ان تقود حياتهم والسبيل الى تلافي هذا الفساد هو اشعار الناس ان حكماً صحيحاً يهيمن عليهم، لتعود الى الناس ثقتهم الزائلة بحامكهم، ولكن هذا لم يكن سهلاً قريباً فثمة طبقات ناشئة لا تسيغ مثل هذا ولذلك فهي حرية بأن تقف في وجه كل منهج اصلاحي ومحاولة تطهيرية.
اذن فقد كان الامام (ع) يدرك نتيجة لوعيه العميق للظروف الاجتماعية والنفسية التي كانت تجتاح المجتمع الاسلامي في ذلك الحين، ولأن المدّ الثوري الذي انتهى بالامور الى ما انتهت اليه بالنسبة الى عثمان يقتضي عملاً ثورياً يتناول دعائم المجتمع الاسلامي من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
ومن هنا كان رفض الامام (ع) وامتناعه عن الاستجابة الفورية لضغط الجماهير والصحابة عليه بقبوله الخلافة، فقد اراد ان يضعهم امام اختبار يكشف به مدى استعدادهم لتحمل اسلوب الثورة في العمل، لئلا يروا فيما بعد أنه استغلهم واستغل اندفاعهم الثوري حين يكتشفون صعوبة الشروط التي يجب ان يناضلوا الفساد الذي ثاروا عليعه في ظلها.
ولهذا أجابهم الامام (ع) بقوله:
«دعوني والتمسوا غيري، فانا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان لا تقوم له القلوب، ولا تثبت عليه العقول، وان الافاق قد اغامت والمحجة قد تنكرت، واعلموا اني ان اجبتكم ركبت بكم ما أعلم ولم أصغ الي قول القائل وعتب العاتب، وان تركتموني فأنا كأحدكم، ولعلّى اسمعكم واطوعكم لمن وليتموه أمركم، وأنا لكم وزيراً خير لكم مني امير»(2)
ولكن الناس اصروا عليه ان يلي الحكم، فاستجاب لهم ورجا ان يخرج بالناس من واقعهم الاجتماعي التعس الذي احلتهم فيه اثنتا عشرة سنة مضت عليهم في خلافة عثمان الى واقع انبل وأحفل بمعاني الاسلام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حركة التاريخ عند الامام علي (ع) / محمد مهدي شمس الدين، ص: 143
(2) نهج البلاغة، ج 1 ، ص: 217، راجع للتوسع / ثورة الحسين / شمس الدين، ص: 54
ولقد دأب بعد ان بويع خليفة للمسلمين على بيان الهدف ابتغى من وراء ولاية الحكم، وذلك بأن يكون في مركز يمكنه من ان يصلح شوؤن الناس، وان يرفع عن المظلومين فادح مارزحوا تحته من ظلم / قائلاً:
«اللهم انك تعلم انه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان، ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك، ونظهر الاصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك وتقام المعطلة من حدودك»(1)
ولأجل هذا قبل (ع) ان يتولى الحكم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) دراسات في نهج البلاغة / شمس الدين، ص: 260
((انتهى رد الشيخ عادل الأديب))