الحمد لله العظيم الاعلى
ثم دل سبحانه على خفي مرض قلوب الموالين، لمن أمر بمعاداته وهجرته من الظالمين، فقال سبحانه: ﴿فترى الذين في قلوبهم مرضٌ يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين﴾ [المائدة: 52]، فنبأ سبحانه بما كانوا يقولون، وبإحباطه ما كانوا يعملون، وأنهم بموالاتهم لعدوّ المؤمنين ليسوا منهم، وبيّن الله للمؤمنين ما كانوا يسترون من ذلك عنهم، فأما ما ذكر الله من مسارعتهم فيهم، فهو [ما] كان بيِّناً غير مستور يرونه بمعاملتهم لهم ومصيرهم إليهم، مقبلين في كل وقتٍ ومدبرين عليهم، ألا تسمعون لقول الله سبحانه ﴿فترى﴾، ولا يرى صلى الله عليه إلا ما كان له معايِناً مبصِراً، فأما مرض قلوبهم، وما كانوا يخفون من عيوبهم، في الشك والارتياب والحيرة، وما كانوا عليه للدنيا من الحب والأثرة الكبيرة، فإنما يتبين عند ما يأتي به الله المؤمنين من النصر والفتح، فعند ذلك بالحسرة والندامة يفتضح من المرتابين كل مفتضح: فـ﴿يقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين﴾ [المائدة: 52]، فخسَّرهم الله أعمالهم، وصيَّرهم بموالاتهم لهم مثلهم كافرين، وقال سبحانه بعد هذا من أمره كله للمؤمنين، ﴿يا أيها الذين آمنوا من يرتدد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم﴾[المائدة: 53]، فأخبرنا سبحانه أنه لن يحبه ولن يُحب، ولن يزكو عنده ولم يطب، من لم يذل لأوليائه، ويعز على أعدائه.