بسم الرحمن الرحيم رب العرش العظيم
فكل ما ذكرنا من الجوار والمقاربة، والإكرام والتوآد والمحآبَّة، والنصر والولاء، والبر والإخاء، فحكم الله جل ثناؤه في أوليائه، ثم حكم الله سبحانه بعدُ في أعدائه، بخلاف ما حكم به للأولياء، تفريقاً بين مفترق الأشياء، كما قال جل جلاله فيما نزل من الفرقان: ﴿أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار﴾ [ص:28]، وقال سبحانه: ﴿أفنجعل المسملين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون﴾ [القلم: 35]، وقال تبارك وتعالى: ﴿أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون﴾ [السجدة: 18]، فلم يسو بينهم عند ذي علمٍ، في اسمٍ منه لهم ولا حكم، وكان حكمه تبارك وتعالى على أعدائه ما لا يجهله ذو علمٍ، من لعنته وإخزائه، ومقته لهم وإقصائه، وما حكم به من هجرتهم على أوليائه، وما وكَّد على العباد من فرضه، في مجانبه كل مجرم وبُغضِه، وما أوجب الله على الأبرار، من الهجرة للظالمين في المحل والدّارِ، وما ألزم الظالمين من الصَّغار والذل، وما حكم به على بعضهم في ظلمه من القتل، وعلى بعضهم من القطع والصلب، وعلى بعضهم من السجن وألوان النكال والضّرب، وما أوجب الله على الظالمين من الخزي في الظلم، وما حكم به عليهم في ذلك من الحكم، فما لا يعمى عنه من نوَّر الله قلبه في معرفة الحق بضياء، ولا يخفى على محجوج من الخلق فيما يخفى عليه من الأشياء، ولا يحق لمن جهله حقيقة الإيمان، ولا يتم لمن عطَّله مثوبة الإحسان، بل يحبط الله عمله، بما جهل منه وعطَّله.